#حب_أم_تعلق؟!

دخلت أمها غرفتها فوجدتها غارقةً في سيل دموعها، لم تعتد أن ترى ابنتها بمثل هذه الحالة من قبل، كانت تئنُ أنينًا مسموعًا وتفيضُ عيناها بدموعٍ لو صُبت على أودية لسالت بقدرها، أمسكت بكلتا يديها وبادرتها بلهجةٍ قلقة:
- خيرًا يا بُنيتي؟!

مالت "وعد" على كتف أمها وأجهشت في البكاء دونَ أن تتكلم بحرفٍ واحد، فاحتضنتها أمها وكررت عليها السؤال، فأجابت "وعد":
- لا شيء يا أمي.. لا شيء.. أنا متعبة قليلًا فقط!
- ألم نتفق مسبقًا على أن نكون صديقتين، أخبريني يا "وعد" وأعدكِ أنّ أمّكِ ستجدُ لكِ حلًا يا صغيرتي.

رفعتْ "وعد" عينيها تجاه أمها وأجابتها بلهجةٍ طغاها سيلٌ من الدموع:
- لقد أحببتهُ حتى بلغَ مني ذلكَ الحبُّ مبلغًا عظيمًا يا أمي، فصارَ قلبي لا يدقُّ إلا على حنيني إليه، لقد دخلَ أبواب قلبي من أوسعها حتى ما عادَ يسعني في هذه الدنيا إلّا طيفه، كنتُ إذا سهوتُ تخيلتُ كلماته العذبة وهو يصبها صبًّا على قلبي فينعشه، وإذا سرقتني أحلامُ اليقظة لاح لي طيفهُ وهو يعانقُ قلبي فيُذهبُ عنهُ ما أحزنه، لقد سكنَ ما بين الحشا يا أمي حتى حفظت سجادتي همسَ دعواتي له.
تنهدت "وعد" ثم أكملت:
- لكن ما يُحرقُ قلبي يا أمي أنّهُ لا يدري بكل هذا الحب، هو لا يعرفُ بالبركان الذي يغلي بداخلي من أجله، هو لا يشعرُ بتلكَ الدمعات التي تنهمرُ شوقًا إليه، لقد أعياني هذا الحب يا أمي حتى سلبَ مني نومي وعافيتي!.

مسحت أمها الدمعات عن خديها وأمسكت بكلتا يديها وخاطبتها بهدوء:
- أعانكِ الله وجبر قلبكِ يا بنيتي، فالحب من طرف واحد نوع من أنواع الابتلاء، هو شرارة تُلقى في القلب فما تبرحُ به حتى تهشمه وتُحرق كل ما فيه!.
سكتت الأم لثوانٍ معدودة ثم أكملت:
- لكن ما من داءٍ إلّا ولهُ دواءٌ يا بنيتي، لكن عليكِ أولًا أن توقني أنّ هذا ليس حبًّا!.
نظرت "وعد" إلى أمها وسألتها بلهجةٍ فيها بعض الاستنكار:
- كيف يا أمي بعد أن أخبرتكِ بكل هذا؟!

فأجابت الأم بلهجة دافئة:
- يجبُ أن تفرقي جيدًا بينَ الحبِّ والتعلق يا وعد، الحبُّ يشفي يا وعد، الحبُّ إن حلَّ في قلب المرء كان بلسمًا لجروحه، سكينة لنبضاته، وشفاءً لآلامه، أما الحبّ من طرفٍ واحد فهو ضرب من ضروب الابتلاء، وليسَ يصلحُ أن نسميه حبًّا حتى، بل تعلق وهمي!، فالحبُّ يا صغيرتي لا يُبنى على النظرات!.

تنهدت الأم ثم اختتمت حديثها قائلة:
- الحبُّ يأتي من بعد أن تلتقي بتوأم روحكِ يا بنيتي، يتسللُ إلى قلبكِ من غير أن تدري، من خوفه عليكِ، من اهتمامه بكِ، من حبّكِ لطباعه ولين معاملته، أما ما بُني على النظرات فلا يتعدى أن يكونَ إعجابًا، الحبُّ حالة صحية ترتقي بقلبكِ إلى أعلى مراتب الأمان والشفاء، الحبُّ يشفي يا حبيبتي، والحبُّ لا يصلحُ أن يُسمى حبًّا إلا إن كانَ متبادلًا، والألم الوحيد في الحب هو الألم لحزن المحبوب، لذلك ادعي الله بأن ينزع هذا البلاء من قلبكِ ويبدلكِ مكانه حلاوة الحب الحقيقي!.

- بشار طيفور